دور الاخصائي مع الطبيب النفسي في الفريق العلاجي
دور الأخصائي النفسي مع الطبيب النفسي في الفريق العلاجي
Role of Psychologist with Psychiatrist in the Psychotherapeutic Team
د لطفي عبدالعزيز الشربيني
مقدمة <
طبيعة الأمراض النفسية <
العلاج النفسي الحديث <
اعتبارات عامة وبعض المفاهيم والتعريفات <
الفريق العلاجي النفسي <
مجالات عمل الأخصائي النفسي <
الوضع المهني للأخصائي النفسي <
الاستنتاج والتوصيات <
* مقدمة:
كما أن الكثير من المعلومات الخاصة بالموضوعات النفسية بصفة عامة لايزال يحيط به الغموض، فإن دور الأخصائي النفسي أو الباحث النفسي (Psychologist) يظل أحد المناطق التي لايعرف عنها الكثير من الناس أي شئ، ولعل ذلك مادفعني إلى محاولة إلقاء الضوء على هذه المنطقة التي تتصل مباشرة
بالخدمات النفسية التي يتم تقديمها بالخدمات النفسية التي يتم تقديمها لقطاعات المجتمع ليس فقط من خلال المؤسسات التي تتخصص في العلاج أو الإرشاد النفسي، ولكن في مواقع متعددة في أي مكان يتواجد به تجمعات من الناس في مختلف الأعمار مثل أماكن العمل أو الدراسة أو غير ذلك وفيما يلي سنقدم أولاً نبذة عن طبيعة الأمراض النفسية وانتشارها في المجتمع في عصرنا الحالي، ثم عرضاً لوسائل العلاج النفسي الحديث، وتحديداً لبعض المفاهيم الهامة فيما يتعلق بالموضوع، قبل أن ننتقل إلى الحديث عن فكرة الفريق العلاجي، والوضع المهني للأخصائي النفسي ومجالات عمله في مختلف المواقع.
* طبيعة الأمراض النفسية:
يختلف المرض النفسي عن غيره من الأمراض التقليدية في عدة اعتبارات أهمها الغموض الذي كان ولايزال يحيط بالاضطرابات النفسية،وقد أدى ذلك إلى كثير من المعتقدات غير الواقعية والأوهام التي تحيط بالأمراض النفسية مقارنة بغيرها من الأمراض الأخرى ومن المعروف أن الاضطرابات النفسية هي تلك التي تنشأ نتيجة لخلل يصيب النفس أو العقل،وتبدو في صورة اضطرابات في الوظائف العقلية مثل التفكير والسلوك والوجدان ومن المفترض أن الطب النفسي (Psychiatry) هو التخصص الذي يهتم بهذه الحالات، أما بقية الفروع والتخصصات الطبية الأخرى فإنها تهتم بالخلل الذي يصيب أعضاء الجسم ووظائفه المختلفة.
ورغم أن الطب النفسي الحديث قد نشأ وتطور على مدى عدة عقود خلال القرن الحالى على عكس العلوم الطبية الأخرى ذات التاريخ الطويل المدون والتي تقدمت على مدى قرون طويلة،غير أن تاريخ الاهتمام بالأمراض النفسية يرجع إلي عصور قديمة؛حيث تحدث "أبقراط" (350 قم) عن علاقة النفس بالجسد، ومن برديات قدماء المصريين مثل بردية "إيبرس" (Ebers Papyrus) ورد وصف لبعض الاضطرابات النفسية وأساليب علاجها، ولقد تغير مع الوقت كثير من المفاهيم حول المرض النفسي وطرق التعامل مع المرضى النفسيين تبعاً للتطور وللمعلومات التي أضافتها الأبحاث التي نشطت مؤخراً لكشف غموض الأمراض النفسية، ويدل على ذلك تعديل تقسيم الأمراض النفسية وتحديد أنواعها عدة مرات على مدى النصف الثاني من القرن الحالي، وبعد أن كانت الأمراض النفسية تمثل مجموعة صغيرة من الأمراض، فقد تم حالياً وصف الخصائص المميزة والتشخيص والعلاج لما يقرب من 100 من الاضطرابات النفسية من خلال التصنيفات العالمية وأهمها التصنيف الدولي للأمراض ـ المراجعة العاشرة (ICD-10)(International Classification of Diseases-10) والتي صدرت عن منظمة الصحة العالمية (WHO,1992)، والتقسيم الأمريكي للأمراض النفسية الذي صدرت المراجعة الرابعة منه مؤخراً (Diagnostic & Statistical Manual-IV) (DSM-IV) عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA,1994).
* العلاج النفسي الحديث:
شهدت أساليب العلاج تطوراً كبيراً على مدى السنوات الأخيرة، وعند إلقاء نظرة على تاريخ العلاج النفسي نجد أن العلاج كان يتم قديماً ببعض الوسائل التي لايزال بعضها مستخدماً حتى الآن، فقد كان العلاج في مصر القديمة يتم عن طريق الإيحاء بواسطة الكهنة مع اللجوء للترويح والموسيقى واستخدام الأعشاب، أما في العصور الوسطى فقد كان المرضى العقليين يعاملون بقسوة نظراً للإعتقاد بأن أرواحاً شريرة تتلبس أجسادهم، فكانوا يتعرضون للضرب والحرق والإغراق، وحديثاً بدأ إنشاء المصحات والمستشفيات العقلية، وتغيرت أساليب العلاج والتعامل مع المرضى النفسيين، وبدأ تطبيق أساليب العلاج النفسي واستخدام الأدوية الحديثة في العلاج مما انعكس على النتائج الإيجابية بارتفاع نسبة الشفاء من الأمراض النفسية في الوقت الحالي.
ويقوم العلاج النفسي الحديث على نظريات تستند إلى مبادئ التحليل النفسي (Psychoanalysis) مع التركيز على كل الأزمات النفسية وإعادة التوافق أو العلاج الاستعرافي (Cognitive) الذي يتعامل مع تفكير الشخص لمساعدته على التخلص من مشكلاته، والعلاج الذي يقوم على التفاعل بين الأشخاص (Interpersonal)، أو الاتجاه الانتقائي (Elective) الذي لايتبع مدرسة محددة بل يختار مايلائم الموقف من المدارس والنظريات المختلفة، ويقوم العلاج على تطبيق قواعد هامة فيما يتعلق بالعلاقة بين المعالج (Therapist) من أي تخصص سواء كان الطبيب النفسي أو الأخصائي النفسي أو غيره، وبين المريض الذي يخضع للعلاج وكثيراً مايوصف بالعميل (Client)، ويتم العلاج النفسي وفق خطوات مدروسة حسب طبيعة الحالات باستخدام أساليب ومهارات يتدرب على تطبيقها المعالجون النفسيون.
* اعتبارات عامة وبعض المفاهيم والتعريفات:
يقوم على خدمات الصحة النفسية في الأنظمة الحديثة مجموعات متكاملة من تخصصات مختلفة يعمل أفرادها معاً في مؤسسات تقدم الرعاية النفسية من خدمات الوقاية والعلاج والإرشاد والتأهيل، ونظراً للتداخل في الأدوار بين العاملين في هذا المجال فإننا نبدأ بتوضيح بعض المفاهيم والتعريفات، فقد ظلت مشكلة التحديد (Delineation) للأدوار المهنية للعاملين في مجال الصحة النفسية محل جدل وخلاف كانت ولاتزال له نتائج سلبية على خدمات الصحة النفسية.
وفي البداية فإن مفهوم الطب النفسي (Psychiatry) قد أصبح محدداً على أنه أحد فروع الطب الذي يهتم بحالات الاضطراب والخلل الذي يصيب العقل والنفس، وإذا كان ذلك واضحاً إلى حد ما بالنسبة للمهنيين والأطباء، فإن التحديد ليس بنفس الوضوح بالنسبة للعامة من الناس بدليل أن الكثير من المرضى النفسيين لايذهبون للعلاج لدى الأطباء النفسيين بقدر مايذهبون إلى الأطباء من تخصصات الطب الأخرى،أو إلى الأطباء الشعبيين والمشعوذين.
وعلم النفس (Psychology) هو أحد فروع العلوم الإنسانية ويبحث في الظواهر السلوكية،والشخصية والذكاء والذاكرة، وغير ذلك فيما يتعلق بالنفس الإنسانية، وتحت هذا العلم تخصصات مختلفة ومجالات عديدة.
يقوم الطبيب النفسي (Psychiatrist) بالدور العلاجي باستخدام كل الوسائل الطبية والنفسية والأدوية والعلاج الكهربائي حسب تشخيص الحالات النفسية،أما الأخصائي النفسي (Psychologist) فإنه الذي يحمل التأهيل الدراسي والتدريب في مجال علم النفس، وكثيراً مايكون متخصصاً في فرع دقيق لعلم النفس مثل علم النفس السريري الذي يتعامل مع المشكلات النفسية والحالات المرضية ويسمى بالإخصائي النفسي السريري (Clinical Psychologist).
تم الفصل بين تخصص الطب النفسي (Psychiatry) وقد ورد تعريفه وبين تخصص الأمراض العصبية (Neurology)الذي يهتم بأمراض الجهاز العصبي العضوية مثل الشلل الحركي، النزيف الدماغي والأورام والصرع،ولامجال للخلط بين التخصصين كما يحدث بين العامة حين يصفون المرض النفسي بمرض "الأعصاب" كما أن تخصص جراحة المخ والأعصاب (Neurosurgery) يهتم بالتدخل الجراحي لعلاج أمراض الجهاز العصبي ولا مجال للخلط بين مجالاته وبين مجالات الطب النفسي.
* الفريق العلاجي النفسي:
(Psychotherapeutic Team)
مع التطور الذي شمل كل مجالات الممارسة العلاجية للاضطرابات النفسية، ومع ظهور المؤسسات الحديثة التي تقوم على تقديم خدمات الرعاية النفسية المتكاملة وتعمل في مجالات الوقاية، والعلاج النفسي، والإرشاد، والتأهيل، كانت هناك حاجة ماسة إلى التعاون بين أفراد من تخصصات مختلفة يقوم كل منهم بالتركيز على مجال محدد،وتتكامل جهودهم تحت هدف واحد هو تقديم المساعدة للحالات في صورة خدمة نفسية حديثة منظمة، ومن هنا نشأت فكرة الفريق العلاجي الذي يضم عدداً من المتخصصين في مجالات متعددة يتم التنسيق فيما بينها بحيث يتم توزيع الأدوار على كل من عناصر هذا الفريق ويضم الفريق العلاجي الذي يقوم بتقديم خدمات الرعاية النفسية، الطبيب النفسي الذي يقوم بدور قيادة هذا الفريق في العادة ويتولى الواجبات الطبية بداية من التشخيص إلى خطة العلاج بالأدوية أو العلاج الكهربائي أو وسائل العلاج الأخرى بناء على الخبرة الطبية السريرية وخبرة التخصص في الطب النفسي، ومعه الأخصائي النفسي أو الباحث النفسي وعادة مايكون تخصصه الدقيق بعد الدراسة والتدريب في مجال علم النفس السريري مما يوفر له خلفية ملائمة حول طبيعة الاضطرابات النفسية، ومهارات القياس النفسي، وطرق العلاج النفسي، وكذلك الأخصائي الاجتماعي الذي يقوم بتقصي الجوانب الاجتماعية والأسرية للحالات ويتابع أحوال المريض في المنزل والعمل خلال فترة العلاج والمتابعة، وقد ينضم إلى الفريق العلاجي عناصر أخرى مثل أفراد التمريض النفسي (Psychiatric Nurse)، أو المعالجين بالتأهيل (Occupational Therapists)، أو غيرهم.
وهناك أهمية خاصة للتعاون والتنسيق بين أفراد الفريق العلاجي للحصول على نتائج جيدة، ويتم ذلك من خلال توزيع الأدوار ومعرفة كل فرد في الفريق بدوره في عملية التشخيص والعلاج والمتابعة، كما يجب أن يتم ذلك من خلال تنظيم معروف يتم فيه إسناد مهام محددة في عملية الفحص والتعامل مع الحالات، وإعداد التقارير، والقيام بعمليات القياس والاختبارات، والإرشاد والتوجيه للمرضى وأقاربهم، ومتابعة الحالات في مراحل العلاج المختلفة وفق خطة يلتزم بها أفراد الفريق العلاجي.
* مجالات عمل الأخصائي النفسي:
نظراً لأن اهتمامنا الرئيسي يتجه إلى الممارسة المباشرة للخدمات النفسية من خلال المؤسسات التي تقوم بتقديم الخدمات العلاجية مثل المستشفيات والعيادات النفسية، فإن التركيز على دور الأخصائي النفسي السريري في الفريق العلاجي يحتل المقدمة في سلم الأولويات في هذا التقرير، وتعتبر المجالات التشخيصية والعلاجية للحالات النفسية من المناطق الهامة التي يقوم الأخصائي النفسي بدور أساسي يتطلبه تقديم خدمات متكاملة بأساليب حديثة، وفي مجال التشخيص فإن الأخصائي النفسي ينفرد بالتأهيل والتدريب على مهارة استخدام القياس النفسي (Psychometry)، وهو مجال هام يتم فيه استخدام أدوات واختبارات متعددة من أمثلتها المقاييس المستخدمة لتقدير نسبة الذكاء للصغار والكبار، والتي يتم من خلالها الحصول على معلومات كمية ونوعية لها أهمية خاصة في وضع بعض الحالات في فئات تشخيصية، ويتحدد على أساسها الأساليب الملائمة للتعامل معها،وبعض الحالات يتم إعادة وضعها في المكان الملائم بناء على تشخيص قياس الذكاء وتحديد مسارها في التعليم والتدريب والعمل.
وتسهم الاختبارات النفسية عند استخدامها في الممارسة السريرية أيضاً ـ بالإضافة إلى المساعدة على الوصول إلى التشخيص الدقيق لبعض الحالات ـ في التحديد الكمي والكيفي لشدة الأعراض، ويفيد ذلك في متابعة بعض الحالات ورصد التغيرات التي تطرأ عليها خلال فترة العلاج وبعدها، ومثال ذلك مقاييس القلق والإكتئاب والوساوس والفصام، وأعراض بعض الاضطرابات النفسية التي يمكن من خلالها متابعة تقديم الحالات وتحديد استجابتها للعلاج، ويتم ذلك بصورة روتينية في المراكز الحديثة للعلاج النفسي بالإضافة إلى أهمية استخدام هذه المقاييس على نطاق واسع عند إجراء الأبحاث النفسية سواء بغرض المسح (Screening)، أو التشخيص (Diagnosis)، أو التنبؤ بالحالة المرضية (Prognosis) لبعض الحالات النفسية.
وفي المجال العلاجي، يقوم الأخصائي النفسي من خلال الفريق بواجبات علاجية متعددة من واقع تأهيله وتدريبه على تطبيق أساليب العلاج النفسي (Psychotherapy)، ويتم ذلك بطرق متعددة للعلاج الفردي (Individual)، أو العلاج الجماعي (Group therapy) حيث يقود أو يساعد في قيادة مجموعة من الحالات يتم علاجها معاً في جلسات جماعية، ومن الأساليب التي يتم تطبيقها حالياً، يمكن للأخصائي النفسي التدريب وأحياناً التخصص تماماً ـ في أي من أسلوب العلاج السلوكي (Behavior therapy)، وعلاج الأسرة (Family therapy)، وعلاج الزوجية (Conjoint Couple therapy) أو العلاج الزواجي (Marital therapy)، وغيرها من الأساليب التي يحتاج تطبيقها إلى مهارات خاصة ويمكن للأخصائي النفسي التدريب على استخدامها وتطبيقها أسلوب العلاج بالاسترخاء (Relaxation therapy)، والعلاج الاستعرافي (Cognitive therapy) والعلاج النفسي المخطط المختصر (Planned brief psychotherapy)، ويتم ذلك في العادة من خلال خطة للعلاج يتم وضعها بواسطة الفريق العلاجي ويقوم كل من أفراده بدور محدد بداية من التشخيص إلى تنفيذ العلاج والمتابعة.
ومن خلال الممارسة في مجال الطب النفسي فقد قمنا بتطبيق أسلوب علاجي يتم فيه نوع من التعاون والتنسيق بين الطب النفسي والأخصائي النفسي لحل بعض المشكلات الزواجية حيث يتم مناظرة كلاً من طرفي الزواج في نفس الوقت بواسطة واحد من المعالجين منفرداً،وبعد ذلك يتم عقد جلسة رباعية تضم كلا المعالجين ـ الطبيب النفسي والأخصائي النفسي ـ وكل من طرفي المشكلة وهما الزوج والزوجة، ويعرف هذا الأسلوب بالجلسات الرباعية (Four-way session)، وقد ثبت من هذا التطبيق أنه عملي ويؤدي إلى نتائج جيدة.
* الوضع المهني للأخصائي النفسي:
من خلال الواقع العملي، ومن خلال المتابعة ومحاولة دراسة الوضع الحالي بالنسبة للأخصائيين النفسيين وظروفهم المهنية فإن هناك انطباعاً تؤيده الملاحظة والإحصائيات بأن هناك الكثير من الصعوبات والعوامل غير المواتية بالنسبة للعمل في هذا التخصص كمهنة في الكثير من البلاد العربية، ومن خلال العمل في المجال النفسي في مصر والكويت وبلدان في المنطقة وفي الدول الأوربية فإن الفارق لايزال كبيراً بين الشرق والغرب من حيث مسألة التحديد (Delineation) لمهنة الأخصائي النفسي والذي يمكن أن نزعم أنه لم يتم حتى الآن بشكل مقبول في بلادنا بينما استقر منذ وقت طويل في الدول الغربية.
ومن خلال الدراسات التي اهتمت بالوضع المهني للأخصائي النفسي، فإنه رغم تزايد الوعي بهذا الدور وتواجد أعداد من الأخصائيين النفسيين في المؤسسات التي تقدم خدمات الطب النفسي، إلا أن عدم الفهم للدور المطلوب من الأخصائى النفسي يظل حقيقة قائمة، وعدم قيام التعاون بين الأخصائي النفسي وغيره من العاملين في نفس المجال هو نتيجة مباشرة لأن الكثير من الإداريين لايفهمون المقصود بهذا المسمى، ولايعرفون على وجه التحديد ماهو عمله،وبعضهم يخلط بينه وبين الأخصائي الاجتماعي، أو بينه وبين الطبيب النفسي، ونتيجة لذلك يشكو الكثير من الأخصائيين النفسيين في مواقع مختلفة بينها مستشفيات كبرى للطب النفسي من مشكلة عدم الفهم لوضعهم المهني وهل هم من الفنيين كالأطباء أم من الإداريين كغيرهم من الموظفين، والغريب أن البعض منهم يوكل إليه أعمال بعيدة تماماً عن تخصصه ويعامل كأحد الموظفين الإداريين وبالنسبة للأخصائيين النفسيين الذين يعملون في مجالات أخرى كان من الأمور الإيجابية الاتجاه الحالي إلى وجود أخصائي نفسي في كل مدرسة من مدارس التعليم العام بعد أن اقتصر وجودهم لوقت طويل على مدارس التربية الخاصة،ومراكز التأهيل المهني،كما أن هناك اتجاهاً لإلحاقهم بالمكاتب التي تقوم بفحص القوى العاملة للقيام باختبارات للمتقدمين للأعمال المختلفة، مع التوسع في طلب الأخصائيين النفسيين لمراكز التأهيل والإرشاد النفسي ومن الصعوبات التي تواجه الأخصائيين النفسيين بالإضافة إلى عدم الفهم لمسمى هذه الوظيفة أو المهنة أنه لايوجد كادر وظيفي خاص بهم، ولاتوصيف للأعمال التي يقومون بها أو قواعد للمهنة (Code of ethics) على غرار التنظيم المعمول به في بريطانيا مثلاً، ويتم تشتيت جهودهم من خلال التداخل بين عملهم وبين المهن الأخرى، إضافة إلى مشكلات نقص إمكانيات التدريب والتأهيل لهم، وعدم توفر المقاييس، وافتقارهم إلى السجلات والبيانات حيث لايكون للأخصائي النفسي في عمله مكان خاص ملائم بعيد عن الضوضاء وعيون الآخرين ليمارس فيه عمله بحرية.
* الاستنتاج والتوصيات:
في ختام هذه المقالة التي قمنا فيها بعرض مقدمة نظرية حول طبيعة الأمراض النفسية والعلاج النفسي الحديث، والتعريف ببعض المفاهيم والاعتبارات العامة، ثم فكرة الفريق العلاجي ومجالات عمل الأخصائي النفسي والوضع المهني له، فإن انطباعاً قد تكوّن لدينا من خلال ذلك بأهمية الدور الذي يمكن أن يقوم به الأخصائي النفسي في الفريق العلاجي، وتعدد المحاولات التي يمكن أن يتم الاستفادة بجهود الأخصائي النفسي حين تتوفر الظروف الملائمة ويتم تنظيم وتحديد للمهنة بالنسبة للأخصائيين النفسيين بصورة أفضل من الوضع الحالي.
- وهنا نوصي بما يلي:
الاهتمام بتحديث الخدمات النفسية بصفة عامة، مع التركيز على دور الفريق العلاجي بكل أفراده،والتوسع في هذا الاتجاه مع الاهتمام بالأخصائي النفسي كأحد أعضاء هذا الفريق.
تحقيق التعاون والتنسيق والتفاهم بين الأخصائي النفسي وبقية عناصر الفريق العلاجي،وبينه وبين بقية من يعملون معه في مؤسسات الرعاية النفسية المختلفة.
التحديد (Delineation) الدقيق لما يقوم به الأخصائي النفسي كمهنة (Profession) لها قواعدها، مع العمل على وضع وتحديد هذه القواعد بصورة واضحة.
الاهتمام بالإعداد والتدريب والتأهيل الجيد للأخصائي النفسي حتى يتمكن من القيام بدوره في مختلف المواقع،والحرص على الدورات التدريبية المستمرة.
إعداد كوادر تقوم بالخدمة النفسية بأعداد كافية وتوزيعهم على مختلف الأماكن، وتذليل الصعوبات التي تواجه الأخصائيين النفسيين وتعوقهم عن أداء عملهم.
الاهتمام بالتوعية النفسية للجميع بدور الأخصائي النفسي وبقية العاملين في مجال الخدمات النفسية بصفة عامة لتحقيق التعاون والفهم لدور الخدمات النفسية الحديثة في المجتمع.
* Bibliography:
الجمعية المصرية للدراسات النفسية (1987) الوضع المهني للأخصائي النفسي في مصر ندوة بالمؤتمر الثالث لعلم النفس بالقاهرة ــ يناير 1987.
حامد زهران فوزي إلياس (1989) الأخصائي النفسي بوزارة التربية والتعليم
الكتاب السنوي في علم النفس الجمعية المصرية للدراسات النفسية ــ مجلد 6- 1989.
كمال دسوقي (1989)علم النفس يتخطى الباراديمية الكتاب السنوي في علم النفس: الجمعية المصرية للدراسات النفسية ـ مجلد ـ 1989.
لطفي الشربيني 1995 تأثير العوامل الثقافية والإجتماعية على الأمراض النفسية في البيئية العربية مجلة الثقافة النفسية ـ العدد 24-1995.
لطفي الشربيني 1996 وصمة المرض النفسي في البيئة العربية ورقة مقدمة إلى مؤتمر الجمعية العالمية الإسلامية للصحة النفسية ـ لبنان 1996.
اعداد /حازم ابوحبيشي
دور الأخصائي النفسي مع الطبيب النفسي في الفريق العلاجي
Role of Psychologist with Psychiatrist in the Psychotherapeutic Team
د لطفي عبدالعزيز الشربيني
مقدمة <
طبيعة الأمراض النفسية <
العلاج النفسي الحديث <
اعتبارات عامة وبعض المفاهيم والتعريفات <
الفريق العلاجي النفسي <
مجالات عمل الأخصائي النفسي <
الوضع المهني للأخصائي النفسي <
الاستنتاج والتوصيات <
* مقدمة:
كما أن الكثير من المعلومات الخاصة بالموضوعات النفسية بصفة عامة لايزال يحيط به الغموض، فإن دور الأخصائي النفسي أو الباحث النفسي (Psychologist) يظل أحد المناطق التي لايعرف عنها الكثير من الناس أي شئ، ولعل ذلك مادفعني إلى محاولة إلقاء الضوء على هذه المنطقة التي تتصل مباشرة
بالخدمات النفسية التي يتم تقديمها بالخدمات النفسية التي يتم تقديمها لقطاعات المجتمع ليس فقط من خلال المؤسسات التي تتخصص في العلاج أو الإرشاد النفسي، ولكن في مواقع متعددة في أي مكان يتواجد به تجمعات من الناس في مختلف الأعمار مثل أماكن العمل أو الدراسة أو غير ذلك وفيما يلي سنقدم أولاً نبذة عن طبيعة الأمراض النفسية وانتشارها في المجتمع في عصرنا الحالي، ثم عرضاً لوسائل العلاج النفسي الحديث، وتحديداً لبعض المفاهيم الهامة فيما يتعلق بالموضوع، قبل أن ننتقل إلى الحديث عن فكرة الفريق العلاجي، والوضع المهني للأخصائي النفسي ومجالات عمله في مختلف المواقع.
* طبيعة الأمراض النفسية:
يختلف المرض النفسي عن غيره من الأمراض التقليدية في عدة اعتبارات أهمها الغموض الذي كان ولايزال يحيط بالاضطرابات النفسية،وقد أدى ذلك إلى كثير من المعتقدات غير الواقعية والأوهام التي تحيط بالأمراض النفسية مقارنة بغيرها من الأمراض الأخرى ومن المعروف أن الاضطرابات النفسية هي تلك التي تنشأ نتيجة لخلل يصيب النفس أو العقل،وتبدو في صورة اضطرابات في الوظائف العقلية مثل التفكير والسلوك والوجدان ومن المفترض أن الطب النفسي (Psychiatry) هو التخصص الذي يهتم بهذه الحالات، أما بقية الفروع والتخصصات الطبية الأخرى فإنها تهتم بالخلل الذي يصيب أعضاء الجسم ووظائفه المختلفة.
ورغم أن الطب النفسي الحديث قد نشأ وتطور على مدى عدة عقود خلال القرن الحالى على عكس العلوم الطبية الأخرى ذات التاريخ الطويل المدون والتي تقدمت على مدى قرون طويلة،غير أن تاريخ الاهتمام بالأمراض النفسية يرجع إلي عصور قديمة؛حيث تحدث "أبقراط" (350 قم) عن علاقة النفس بالجسد، ومن برديات قدماء المصريين مثل بردية "إيبرس" (Ebers Papyrus) ورد وصف لبعض الاضطرابات النفسية وأساليب علاجها، ولقد تغير مع الوقت كثير من المفاهيم حول المرض النفسي وطرق التعامل مع المرضى النفسيين تبعاً للتطور وللمعلومات التي أضافتها الأبحاث التي نشطت مؤخراً لكشف غموض الأمراض النفسية، ويدل على ذلك تعديل تقسيم الأمراض النفسية وتحديد أنواعها عدة مرات على مدى النصف الثاني من القرن الحالي، وبعد أن كانت الأمراض النفسية تمثل مجموعة صغيرة من الأمراض، فقد تم حالياً وصف الخصائص المميزة والتشخيص والعلاج لما يقرب من 100 من الاضطرابات النفسية من خلال التصنيفات العالمية وأهمها التصنيف الدولي للأمراض ـ المراجعة العاشرة (ICD-10)(International Classification of Diseases-10) والتي صدرت عن منظمة الصحة العالمية (WHO,1992)، والتقسيم الأمريكي للأمراض النفسية الذي صدرت المراجعة الرابعة منه مؤخراً (Diagnostic & Statistical Manual-IV) (DSM-IV) عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA,1994).
* العلاج النفسي الحديث:
شهدت أساليب العلاج تطوراً كبيراً على مدى السنوات الأخيرة، وعند إلقاء نظرة على تاريخ العلاج النفسي نجد أن العلاج كان يتم قديماً ببعض الوسائل التي لايزال بعضها مستخدماً حتى الآن، فقد كان العلاج في مصر القديمة يتم عن طريق الإيحاء بواسطة الكهنة مع اللجوء للترويح والموسيقى واستخدام الأعشاب، أما في العصور الوسطى فقد كان المرضى العقليين يعاملون بقسوة نظراً للإعتقاد بأن أرواحاً شريرة تتلبس أجسادهم، فكانوا يتعرضون للضرب والحرق والإغراق، وحديثاً بدأ إنشاء المصحات والمستشفيات العقلية، وتغيرت أساليب العلاج والتعامل مع المرضى النفسيين، وبدأ تطبيق أساليب العلاج النفسي واستخدام الأدوية الحديثة في العلاج مما انعكس على النتائج الإيجابية بارتفاع نسبة الشفاء من الأمراض النفسية في الوقت الحالي.
ويقوم العلاج النفسي الحديث على نظريات تستند إلى مبادئ التحليل النفسي (Psychoanalysis) مع التركيز على كل الأزمات النفسية وإعادة التوافق أو العلاج الاستعرافي (Cognitive) الذي يتعامل مع تفكير الشخص لمساعدته على التخلص من مشكلاته، والعلاج الذي يقوم على التفاعل بين الأشخاص (Interpersonal)، أو الاتجاه الانتقائي (Elective) الذي لايتبع مدرسة محددة بل يختار مايلائم الموقف من المدارس والنظريات المختلفة، ويقوم العلاج على تطبيق قواعد هامة فيما يتعلق بالعلاقة بين المعالج (Therapist) من أي تخصص سواء كان الطبيب النفسي أو الأخصائي النفسي أو غيره، وبين المريض الذي يخضع للعلاج وكثيراً مايوصف بالعميل (Client)، ويتم العلاج النفسي وفق خطوات مدروسة حسب طبيعة الحالات باستخدام أساليب ومهارات يتدرب على تطبيقها المعالجون النفسيون.
* اعتبارات عامة وبعض المفاهيم والتعريفات:
يقوم على خدمات الصحة النفسية في الأنظمة الحديثة مجموعات متكاملة من تخصصات مختلفة يعمل أفرادها معاً في مؤسسات تقدم الرعاية النفسية من خدمات الوقاية والعلاج والإرشاد والتأهيل، ونظراً للتداخل في الأدوار بين العاملين في هذا المجال فإننا نبدأ بتوضيح بعض المفاهيم والتعريفات، فقد ظلت مشكلة التحديد (Delineation) للأدوار المهنية للعاملين في مجال الصحة النفسية محل جدل وخلاف كانت ولاتزال له نتائج سلبية على خدمات الصحة النفسية.
وفي البداية فإن مفهوم الطب النفسي (Psychiatry) قد أصبح محدداً على أنه أحد فروع الطب الذي يهتم بحالات الاضطراب والخلل الذي يصيب العقل والنفس، وإذا كان ذلك واضحاً إلى حد ما بالنسبة للمهنيين والأطباء، فإن التحديد ليس بنفس الوضوح بالنسبة للعامة من الناس بدليل أن الكثير من المرضى النفسيين لايذهبون للعلاج لدى الأطباء النفسيين بقدر مايذهبون إلى الأطباء من تخصصات الطب الأخرى،أو إلى الأطباء الشعبيين والمشعوذين.
وعلم النفس (Psychology) هو أحد فروع العلوم الإنسانية ويبحث في الظواهر السلوكية،والشخصية والذكاء والذاكرة، وغير ذلك فيما يتعلق بالنفس الإنسانية، وتحت هذا العلم تخصصات مختلفة ومجالات عديدة.
يقوم الطبيب النفسي (Psychiatrist) بالدور العلاجي باستخدام كل الوسائل الطبية والنفسية والأدوية والعلاج الكهربائي حسب تشخيص الحالات النفسية،أما الأخصائي النفسي (Psychologist) فإنه الذي يحمل التأهيل الدراسي والتدريب في مجال علم النفس، وكثيراً مايكون متخصصاً في فرع دقيق لعلم النفس مثل علم النفس السريري الذي يتعامل مع المشكلات النفسية والحالات المرضية ويسمى بالإخصائي النفسي السريري (Clinical Psychologist).
تم الفصل بين تخصص الطب النفسي (Psychiatry) وقد ورد تعريفه وبين تخصص الأمراض العصبية (Neurology)الذي يهتم بأمراض الجهاز العصبي العضوية مثل الشلل الحركي، النزيف الدماغي والأورام والصرع،ولامجال للخلط بين التخصصين كما يحدث بين العامة حين يصفون المرض النفسي بمرض "الأعصاب" كما أن تخصص جراحة المخ والأعصاب (Neurosurgery) يهتم بالتدخل الجراحي لعلاج أمراض الجهاز العصبي ولا مجال للخلط بين مجالاته وبين مجالات الطب النفسي.
* الفريق العلاجي النفسي:
(Psychotherapeutic Team)
مع التطور الذي شمل كل مجالات الممارسة العلاجية للاضطرابات النفسية، ومع ظهور المؤسسات الحديثة التي تقوم على تقديم خدمات الرعاية النفسية المتكاملة وتعمل في مجالات الوقاية، والعلاج النفسي، والإرشاد، والتأهيل، كانت هناك حاجة ماسة إلى التعاون بين أفراد من تخصصات مختلفة يقوم كل منهم بالتركيز على مجال محدد،وتتكامل جهودهم تحت هدف واحد هو تقديم المساعدة للحالات في صورة خدمة نفسية حديثة منظمة، ومن هنا نشأت فكرة الفريق العلاجي الذي يضم عدداً من المتخصصين في مجالات متعددة يتم التنسيق فيما بينها بحيث يتم توزيع الأدوار على كل من عناصر هذا الفريق ويضم الفريق العلاجي الذي يقوم بتقديم خدمات الرعاية النفسية، الطبيب النفسي الذي يقوم بدور قيادة هذا الفريق في العادة ويتولى الواجبات الطبية بداية من التشخيص إلى خطة العلاج بالأدوية أو العلاج الكهربائي أو وسائل العلاج الأخرى بناء على الخبرة الطبية السريرية وخبرة التخصص في الطب النفسي، ومعه الأخصائي النفسي أو الباحث النفسي وعادة مايكون تخصصه الدقيق بعد الدراسة والتدريب في مجال علم النفس السريري مما يوفر له خلفية ملائمة حول طبيعة الاضطرابات النفسية، ومهارات القياس النفسي، وطرق العلاج النفسي، وكذلك الأخصائي الاجتماعي الذي يقوم بتقصي الجوانب الاجتماعية والأسرية للحالات ويتابع أحوال المريض في المنزل والعمل خلال فترة العلاج والمتابعة، وقد ينضم إلى الفريق العلاجي عناصر أخرى مثل أفراد التمريض النفسي (Psychiatric Nurse)، أو المعالجين بالتأهيل (Occupational Therapists)، أو غيرهم.
وهناك أهمية خاصة للتعاون والتنسيق بين أفراد الفريق العلاجي للحصول على نتائج جيدة، ويتم ذلك من خلال توزيع الأدوار ومعرفة كل فرد في الفريق بدوره في عملية التشخيص والعلاج والمتابعة، كما يجب أن يتم ذلك من خلال تنظيم معروف يتم فيه إسناد مهام محددة في عملية الفحص والتعامل مع الحالات، وإعداد التقارير، والقيام بعمليات القياس والاختبارات، والإرشاد والتوجيه للمرضى وأقاربهم، ومتابعة الحالات في مراحل العلاج المختلفة وفق خطة يلتزم بها أفراد الفريق العلاجي.
* مجالات عمل الأخصائي النفسي:
نظراً لأن اهتمامنا الرئيسي يتجه إلى الممارسة المباشرة للخدمات النفسية من خلال المؤسسات التي تقوم بتقديم الخدمات العلاجية مثل المستشفيات والعيادات النفسية، فإن التركيز على دور الأخصائي النفسي السريري في الفريق العلاجي يحتل المقدمة في سلم الأولويات في هذا التقرير، وتعتبر المجالات التشخيصية والعلاجية للحالات النفسية من المناطق الهامة التي يقوم الأخصائي النفسي بدور أساسي يتطلبه تقديم خدمات متكاملة بأساليب حديثة، وفي مجال التشخيص فإن الأخصائي النفسي ينفرد بالتأهيل والتدريب على مهارة استخدام القياس النفسي (Psychometry)، وهو مجال هام يتم فيه استخدام أدوات واختبارات متعددة من أمثلتها المقاييس المستخدمة لتقدير نسبة الذكاء للصغار والكبار، والتي يتم من خلالها الحصول على معلومات كمية ونوعية لها أهمية خاصة في وضع بعض الحالات في فئات تشخيصية، ويتحدد على أساسها الأساليب الملائمة للتعامل معها،وبعض الحالات يتم إعادة وضعها في المكان الملائم بناء على تشخيص قياس الذكاء وتحديد مسارها في التعليم والتدريب والعمل.
وتسهم الاختبارات النفسية عند استخدامها في الممارسة السريرية أيضاً ـ بالإضافة إلى المساعدة على الوصول إلى التشخيص الدقيق لبعض الحالات ـ في التحديد الكمي والكيفي لشدة الأعراض، ويفيد ذلك في متابعة بعض الحالات ورصد التغيرات التي تطرأ عليها خلال فترة العلاج وبعدها، ومثال ذلك مقاييس القلق والإكتئاب والوساوس والفصام، وأعراض بعض الاضطرابات النفسية التي يمكن من خلالها متابعة تقديم الحالات وتحديد استجابتها للعلاج، ويتم ذلك بصورة روتينية في المراكز الحديثة للعلاج النفسي بالإضافة إلى أهمية استخدام هذه المقاييس على نطاق واسع عند إجراء الأبحاث النفسية سواء بغرض المسح (Screening)، أو التشخيص (Diagnosis)، أو التنبؤ بالحالة المرضية (Prognosis) لبعض الحالات النفسية.
وفي المجال العلاجي، يقوم الأخصائي النفسي من خلال الفريق بواجبات علاجية متعددة من واقع تأهيله وتدريبه على تطبيق أساليب العلاج النفسي (Psychotherapy)، ويتم ذلك بطرق متعددة للعلاج الفردي (Individual)، أو العلاج الجماعي (Group therapy) حيث يقود أو يساعد في قيادة مجموعة من الحالات يتم علاجها معاً في جلسات جماعية، ومن الأساليب التي يتم تطبيقها حالياً، يمكن للأخصائي النفسي التدريب وأحياناً التخصص تماماً ـ في أي من أسلوب العلاج السلوكي (Behavior therapy)، وعلاج الأسرة (Family therapy)، وعلاج الزوجية (Conjoint Couple therapy) أو العلاج الزواجي (Marital therapy)، وغيرها من الأساليب التي يحتاج تطبيقها إلى مهارات خاصة ويمكن للأخصائي النفسي التدريب على استخدامها وتطبيقها أسلوب العلاج بالاسترخاء (Relaxation therapy)، والعلاج الاستعرافي (Cognitive therapy) والعلاج النفسي المخطط المختصر (Planned brief psychotherapy)، ويتم ذلك في العادة من خلال خطة للعلاج يتم وضعها بواسطة الفريق العلاجي ويقوم كل من أفراده بدور محدد بداية من التشخيص إلى تنفيذ العلاج والمتابعة.
ومن خلال الممارسة في مجال الطب النفسي فقد قمنا بتطبيق أسلوب علاجي يتم فيه نوع من التعاون والتنسيق بين الطب النفسي والأخصائي النفسي لحل بعض المشكلات الزواجية حيث يتم مناظرة كلاً من طرفي الزواج في نفس الوقت بواسطة واحد من المعالجين منفرداً،وبعد ذلك يتم عقد جلسة رباعية تضم كلا المعالجين ـ الطبيب النفسي والأخصائي النفسي ـ وكل من طرفي المشكلة وهما الزوج والزوجة، ويعرف هذا الأسلوب بالجلسات الرباعية (Four-way session)، وقد ثبت من هذا التطبيق أنه عملي ويؤدي إلى نتائج جيدة.
* الوضع المهني للأخصائي النفسي:
من خلال الواقع العملي، ومن خلال المتابعة ومحاولة دراسة الوضع الحالي بالنسبة للأخصائيين النفسيين وظروفهم المهنية فإن هناك انطباعاً تؤيده الملاحظة والإحصائيات بأن هناك الكثير من الصعوبات والعوامل غير المواتية بالنسبة للعمل في هذا التخصص كمهنة في الكثير من البلاد العربية، ومن خلال العمل في المجال النفسي في مصر والكويت وبلدان في المنطقة وفي الدول الأوربية فإن الفارق لايزال كبيراً بين الشرق والغرب من حيث مسألة التحديد (Delineation) لمهنة الأخصائي النفسي والذي يمكن أن نزعم أنه لم يتم حتى الآن بشكل مقبول في بلادنا بينما استقر منذ وقت طويل في الدول الغربية.
ومن خلال الدراسات التي اهتمت بالوضع المهني للأخصائي النفسي، فإنه رغم تزايد الوعي بهذا الدور وتواجد أعداد من الأخصائيين النفسيين في المؤسسات التي تقدم خدمات الطب النفسي، إلا أن عدم الفهم للدور المطلوب من الأخصائى النفسي يظل حقيقة قائمة، وعدم قيام التعاون بين الأخصائي النفسي وغيره من العاملين في نفس المجال هو نتيجة مباشرة لأن الكثير من الإداريين لايفهمون المقصود بهذا المسمى، ولايعرفون على وجه التحديد ماهو عمله،وبعضهم يخلط بينه وبين الأخصائي الاجتماعي، أو بينه وبين الطبيب النفسي، ونتيجة لذلك يشكو الكثير من الأخصائيين النفسيين في مواقع مختلفة بينها مستشفيات كبرى للطب النفسي من مشكلة عدم الفهم لوضعهم المهني وهل هم من الفنيين كالأطباء أم من الإداريين كغيرهم من الموظفين، والغريب أن البعض منهم يوكل إليه أعمال بعيدة تماماً عن تخصصه ويعامل كأحد الموظفين الإداريين وبالنسبة للأخصائيين النفسيين الذين يعملون في مجالات أخرى كان من الأمور الإيجابية الاتجاه الحالي إلى وجود أخصائي نفسي في كل مدرسة من مدارس التعليم العام بعد أن اقتصر وجودهم لوقت طويل على مدارس التربية الخاصة،ومراكز التأهيل المهني،كما أن هناك اتجاهاً لإلحاقهم بالمكاتب التي تقوم بفحص القوى العاملة للقيام باختبارات للمتقدمين للأعمال المختلفة، مع التوسع في طلب الأخصائيين النفسيين لمراكز التأهيل والإرشاد النفسي ومن الصعوبات التي تواجه الأخصائيين النفسيين بالإضافة إلى عدم الفهم لمسمى هذه الوظيفة أو المهنة أنه لايوجد كادر وظيفي خاص بهم، ولاتوصيف للأعمال التي يقومون بها أو قواعد للمهنة (Code of ethics) على غرار التنظيم المعمول به في بريطانيا مثلاً، ويتم تشتيت جهودهم من خلال التداخل بين عملهم وبين المهن الأخرى، إضافة إلى مشكلات نقص إمكانيات التدريب والتأهيل لهم، وعدم توفر المقاييس، وافتقارهم إلى السجلات والبيانات حيث لايكون للأخصائي النفسي في عمله مكان خاص ملائم بعيد عن الضوضاء وعيون الآخرين ليمارس فيه عمله بحرية.
* الاستنتاج والتوصيات:
في ختام هذه المقالة التي قمنا فيها بعرض مقدمة نظرية حول طبيعة الأمراض النفسية والعلاج النفسي الحديث، والتعريف ببعض المفاهيم والاعتبارات العامة، ثم فكرة الفريق العلاجي ومجالات عمل الأخصائي النفسي والوضع المهني له، فإن انطباعاً قد تكوّن لدينا من خلال ذلك بأهمية الدور الذي يمكن أن يقوم به الأخصائي النفسي في الفريق العلاجي، وتعدد المحاولات التي يمكن أن يتم الاستفادة بجهود الأخصائي النفسي حين تتوفر الظروف الملائمة ويتم تنظيم وتحديد للمهنة بالنسبة للأخصائيين النفسيين بصورة أفضل من الوضع الحالي.
- وهنا نوصي بما يلي:
الاهتمام بتحديث الخدمات النفسية بصفة عامة، مع التركيز على دور الفريق العلاجي بكل أفراده،والتوسع في هذا الاتجاه مع الاهتمام بالأخصائي النفسي كأحد أعضاء هذا الفريق.
تحقيق التعاون والتنسيق والتفاهم بين الأخصائي النفسي وبقية عناصر الفريق العلاجي،وبينه وبين بقية من يعملون معه في مؤسسات الرعاية النفسية المختلفة.
التحديد (Delineation) الدقيق لما يقوم به الأخصائي النفسي كمهنة (Profession) لها قواعدها، مع العمل على وضع وتحديد هذه القواعد بصورة واضحة.
الاهتمام بالإعداد والتدريب والتأهيل الجيد للأخصائي النفسي حتى يتمكن من القيام بدوره في مختلف المواقع،والحرص على الدورات التدريبية المستمرة.
إعداد كوادر تقوم بالخدمة النفسية بأعداد كافية وتوزيعهم على مختلف الأماكن، وتذليل الصعوبات التي تواجه الأخصائيين النفسيين وتعوقهم عن أداء عملهم.
الاهتمام بالتوعية النفسية للجميع بدور الأخصائي النفسي وبقية العاملين في مجال الخدمات النفسية بصفة عامة لتحقيق التعاون والفهم لدور الخدمات النفسية الحديثة في المجتمع.
* Bibliography:
الجمعية المصرية للدراسات النفسية (1987) الوضع المهني للأخصائي النفسي في مصر ندوة بالمؤتمر الثالث لعلم النفس بالقاهرة ــ يناير 1987.
حامد زهران فوزي إلياس (1989) الأخصائي النفسي بوزارة التربية والتعليم
الكتاب السنوي في علم النفس الجمعية المصرية للدراسات النفسية ــ مجلد 6- 1989.
كمال دسوقي (1989)علم النفس يتخطى الباراديمية الكتاب السنوي في علم النفس: الجمعية المصرية للدراسات النفسية ـ مجلد ـ 1989.
لطفي الشربيني 1995 تأثير العوامل الثقافية والإجتماعية على الأمراض النفسية في البيئية العربية مجلة الثقافة النفسية ـ العدد 24-1995.
لطفي الشربيني 1996 وصمة المرض النفسي في البيئة العربية ورقة مقدمة إلى مؤتمر الجمعية العالمية الإسلامية للصحة النفسية ـ لبنان 1996.
اعداد /حازم ابوحبيشي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق